البردعي تكتب: العفو الملكي بين بارقة أمل لأبناء مناطق زراعة القنب الهندي ومفارقات التقنين
العفو الملكي الذي شمل عددا من مزارعي القنب الهندي شكل، بلا شك، المنجز الوحيد الملموس الذي أعاد الحرية والكرامة لعدد من أبناء الشمال، بعدما وجدوا أنفسهم مطاردين في بلادهم، مهددين بالسجن أو مضطرين إلى ركوب قوارب الهجرة السرية.
لقد فتح هذا العفو نافذة أمل، وأعطى درسا في أن معالجة قضية القنب الهندي لا يمكن أن تقوم على العقاب وحده، بل على الإدماج والإنصاف.
لكن، بعيدا عن هذه البادرة الإنسانية النبيلة، يظل سؤال الواقع اليومي للفلاحين الصغار مطروحا بإلحاح: ماذا جنوا من التقنين؟
لقد روج عند صدور القانون بأن زمن المعاناة سينتهي، وأن الفلاح سيصبح جزءا من الدورة الاقتصادية الرسمية، يبيع محصوله بشكل قانوني، ويستفيد من مردودية عادلة، غير أن ما حصل على الأرض كان عكس ذلك تمام، المنتجون الكبار والمستثمرون الجدد حصدوا الامتيازات، بينما ظل الفلاح رهين الفقر والتهميش.
اليوم، في دواوير الشمال وتحديدا في إقليم شفشاون عاصمة زراعة القنب الهندي، لا يسمع سوى شكايات من العطش بسبب الاستيلاء على المنابع الرئيسية لسقي العشبة الدخيلة التي تمتص من الماء ما لم تكن تمتصه العشبة البلدية.
أمام تراجع موارد المياه لا يسمع سوى صوت الكساد وضآلة الثمن الذي يفرض على الفلاح الصغير لبيعها للمنتجين الكبار.
إنه بدل أن يأتي التقنين بحلول تنموية، فتح الباب أمام مزيد من الاستغلال، حتى أضحى الفلاح مهددا في مورد رزقه وفي حقه الطبيعي في الماء.
لقد أصبح العطش يبصم يوميات القرى التي تنتظر الربط بالماء الشروب منذ أن جاء الوعد بإنشاء سد شفشاون، وهذا موضوع أخر، دون ان نغوص في الانعكاسات الاجتماعية من هجرة وبطالة وارتفاع معدلات الانتحار بالإقليم.
إن الواقع يؤكد أن القانون، كما طبق، لم يغير كثيرا من المعادلة القديمة: الفلاح يزرع ويتعب، وغيره يربح ويستفيد! هذا التناقض الصارخ جعل ساكنة المنطقة تشعر أن التقنين كان مجرد عنوان جميل لمشروع لم يراع العدالة الاجتماعية، ولم يضع الفلاح البسيط في صلب أولوياته.
إن المطلوب اليوم ليس مجرد قانون على الورق، بل مراجعة جذرية تعيد الاعتبار للإنسان البسيط الذي عاش لعقود في الهامش، وتوفر له دعما تقنيا وماليا حقيقيا، وتضمن له نصيبا عادلا من الثروة، فالتقنين الذي يبقي الفلاح فقيرا وعطشا ومهمشا، لا يمكن أن يسمى إصلاحا، بل هو مجرد إعادة إنتاج للظلم بشكل مقنن.
سلوى البردعي/ برلمانية عن جهة طنجة تطوان الحسيمة
التعليقات مغلقة.